الجمعة، 1 يناير 2010

همسات حب بسيطة



همسات حب بسيطة


الكاتب : خالد علي حنشل


همسة
الحب هو البذرة التي تسكن في أرض قلوبنا والتي تزرع فيها عندما تنفخ الروح فينا ونحن في أحضان بطون أمهاتنا ومن ثم يحرثها أهلنا فمنهم من وفى حقها ومنهم من خانها ولكن لا نقف عند الخيانة لأن طبيعتنا وفطرتنا ترفض ذلك وان عشنا أكثر حياتنا بين أقوام خونة فجرة فلابد من يوم أن تصحا روحنا الإنسانية وترفض كل ذلك هذا إن رغبنا بالعودة للأصل وإن تلك البذرة إلهية أما إن كنا نرضى فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(1)
ركضت مريم في حديقة منزلهم الصغيرة وهي تطير من الفرح وتنظر حولها فكل شيء أصبح جميل اليوم فهو يوم ميلادها السابع وسوف يقيمون لها احتفال رائع في نهاية اليوم.
لقد وصلنا . قالها سيف وهو ينظر نظرة شوق لصديقته الصغيرة مريم .
وقفت مريم عن الركض واللعب ونظرت ناحية سيف وأجبرتها الدهشة على الصمت قليلا وما هي إلا لحظات إلا وصرخت سيف واو وركضت ناحيته وهو أيضا ركض والتقوا في وسط الطريق فاحتضنوا بعضهما وقالت : هل أحضرت لي هدية ؟
ابتسم سيف خجلا : لا
لماذا ؟ يكفي لقد عرفت . قالتها بعد أن أشاحت بوجهها تنظر ناحية الحديقة .
أبي يقول بأن هذا الاحتفال لا يجوز وأنا اعتقد ذلك أيضا.
لوت مريم شفتيها بعد أن نظرت لسيف: ولكني اصدق أمي وأبي فهما قالا بأنه يجوز.
ابتسم سيف وابتسمت مريم وقالت له لنتسابق . هيا قالها سيف وركض قبلها.
وقفت مريم بعد أن وضعت يديها على خصرها (غشاش) .
نظر من خلف ظهره وهو يضحك وأكمل ركضه .
بكت مريم وقعدت على الأرض توقف سيف ينظر وعاد إليها راكضا كما ذهب عنها وقلبه ينخلع من الخوف فهي مدللة أبويها و وحيدتهم ولا يرضيان بأن يغضبها أحد.
وما أن عاد إليها إلا وقامت وهي تضحك لقد خدعتك وانطلقت قبله.
لم يتوقف سيف بل انطلق ورائها.
همسة:
دوما الأطفال يرون أن أبويهما على حق وما أن يصلون إلى فترة المراهقة إلا ويرون غير ذلك وأنهم دوما مخطئين .
وفي حال انفصالهما شرعيا أو نفسيا تبدأ الحيرة عند هؤلاء الأطفال الأبرياء فمن يصدقون وبمن يثقون ويثور البركان في مرحلة المراهقة ويحرق كل المحيط بهم وربما يصل لكل المجتمع والدليل تلك التي الجرائم التي أبطالها شباب وفتيات في سن المراهقة.
(2)
مرت الأيام وتلتها الشهور والسنين .. وبالتحديد في بداية الإجازة الدراسية للعام الدراسي 1999 الذي أنهى فيه كل من مريم وسيف مرحلتهم الإعدادية بتفوق مريم وحصولها على الترتيب الأول على مستوى إمارة أبوظبي وبأداء مقبول لسيف مكنه من النجاح.
أريد أن أصبح وزيرة. قالتها مريم وهي تنظر إلى الأمام.
لم يجب سيف والذي جلس بقربها على كرسي في حديقة منزل أبو مريم.
وأنت يا سيف الكسول.
لم يجبها فلقد آلمته تلك الكلمة لهذا فضل الصمت .
هل غضبت من كلمتي؟
لا ... إجابة مختصرة اكتفى بها سيف .
طال الصمت بينهما . أريد أن أدخل الجيش بعد إكمال فترة الدراسة الثانوية .
هذا مكانك وضحكت ضحكة هادئة لكنها مزقت نياط قلب سيف لأنه شعر باستهزائها .
مريم لقد تغيرت جدا عما كنت عليه صرتي لا تطاقين وأصبحت جارحه بأسلوبك فلا احترام لمشاعر الآخرين وقدراتهم عندك. قالها سيف وهو لا زال ينظر إلى الأمام.
لم تجبه مريم وظلت برهة من الوقت ومن ثم قامت .
إلى أين ؟
إني فتاة لا تطاق فماذا تريد بي ؟
لم أقصد ذلك!
سوف أذهب للنوم تصبح على خير اذهب إلى أمك وأبوك لعلهما يجدون لك حل لعقلك الذي أقفلته حماقاتك وسخافاتك.
صعق سيف من تلك الكلمات التي زلزلت كيانه.
لم يجبها وقام ورحل لمنزلهم .
وصل للمنزل وغافل أهله لكي لايرونه ودخل غرفته وما أن أغلق بابها إلا وفتحت عيناه أبوابها بالدمعات الحارقة.
لماذا لماذا ؟... ظل يكررها وهو يبكي واستلقى على سريره ورحل في نوم بعد أن تعبت روحه البكاء قبل أن تبكي عينيه.
همسه:
نصدم دوما بتلك الكلمات التي تدمرنا وتشتتنا وخاصة إن كانت من أناس نكن لهم في قلوبنا كل المحبة والود والذي يزيد قلوبنا ويثخنها بالجراح عندما نسأل عن السبب فيكون لا شيء إنما حالة نفسية يمرون بها لم يستطيعوا التحكم بها على أنفسهم فنذوق نحن تبعاتها بكل حسرة وألم أو ربما هروب منهم من عالمنا .
(3)
مرت الأيام وتبعتها الشهور ومن ثم السنين وتخرج سيف من الثانوية العامة بمعدل مقبول ، أهله لدخول الكلية العسكرية للقوات المسلحة بمساعدة من ناحية أبوه ، وتخرجت مريم بمعدل عالي وضعها على أول قائمة أوائل إمارة أبوظبي ، والتحقت بكلية العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة .
افترقا لأنهما كبرا وصار من المحظور أنهما يلتقيان ، وسار كلن في طريقه يشق بسفينته بحار الحياة والتي بدورها أشغلتهم عن التفكير ببعضهما لفترات طويلة .
ومرت السنين وتخرج سيف من الكلية العسكرية برتبة ملازم . وتعرض بعد انتهاء الاحتفال بتخرجه في الكلية لحادث سير أقعده عن السير بعد أن خرج بصحبة صديقة وكان وقتها سيف يقود المركبة بسرعة جنونية ويستعرض أمام أصدقائه الآخرين والذين لحقوا به بمركباتهم يقودهم جميعاً الجنون والطيش والتهور
وانتهى مستقبله وتدمر حلمه وأحيل على التقاعد ولزم المنزل ، علمت مريم بما حدث لسيف ولكنها كانت وقتها في نهاية فترة دراستها الجامعية وكان كل ذلك الضغط عذراً لعدم زيارته أو إرسال له رسالة تواسيه بما أصابه واكتفت بقول كلمات لأمها حين أخبرتها بالخبر ( هو من أراد ذلك لنفسه فلقد حذرته كثيراً من تلك الأفعال الصبيانية الغبية ) . وقتها غضبت أمها من قولها ولكنها أخفت غضبها وكتمته في قلبها فلا زالت مريم طفلتها المدللة و وحيدتها وخاصة بعد طلاقها من ذو سنتين من أبوها بسبب خلافات لا منتهية وعدم انسجام كان يتضح وبشدة في الفترة الأخيرة التي سبقت انفصالهما ولم تستطع كل الجهود لإعادة المياه لمجاريها فلقد انفصل الطريق وكلن أراد السير في طريقه ولم يتنازل أي الطرفين للمرور في طريق الآخر لهذا قررا الطلاق وكلن سار في طريقه الذي رسمه وحيداً متناسياً أن الزواج هو طريق واحد لا يستقيم ولا يبنى إلا بجهود اثنان هما الزوج والزوجة .
همسة :
ما أسرع وتيرة الحياة وما أبطئها ، فيها تمر أيامها وشهرها كلن يسابق الآخر ليصلا لخط النهاية ويكملا السنة القديمة ويبدأ سباق السنة الجديدة ، ونحن نسير ببطء ننظر يمنة ويسرة وننشغل بالقال والقيل . والصدام وعدم تقبل الآخرين برحابة صدر ، وبالهجر والخصام ، والحياة تمر بنا والعمر يمضي ولا ندري إلا بالشيب يخط رأسنا وتجاعيد وجهنا تزداد وقتها نحاول كبح سباق السنين لكن لا أمل فلقد أفلتنا السباق من ذو البداية والالتحاق به سوف يكون مرهق ومتعب لهذا نرضى بالجلوس مكاننا ، ولكن القلة القليلة التي لا ترضى بأن تبقى في كهوفها تنطلق تلاحق ما قد فاتها وتلك فئة منتصرة وان لم تحرز شيئاً لأن المحاولة بحد ذاتها انتصار .
(4)
تخرجت مريم من الجامعة بامتياز وعملت في وزارة الخارجية في قسم الشؤون الخارجية للدولة ، وأمضت حياتها متنقلة من بلاد لبلاد إلى أن شارفت على دخول العقد الرابع .
وفي ذلك اليوم اتصلوا بها وهي في جمهورية فرنسا وبالذات في عاصمتها باريس ليخبروها بأن أمها رحلت مودعة الدنيا . فاستقلت طائرة خاصة وعادت لبلادها والشوق !! .. لم يبقى هناك شوق فالشوق مات وخمدت نيرانه فكل ما بقي لها من الشوق هو رؤية جسد أمها في ثلاجة الموتى .
وصلت للبلاد وانطلقت بمركبتها الخاصة للمستشفى ثم إلى ثلاجة الموتى ووجدت أخوات أمها من قبل ينتظرن وصولها لنقل أمها لمغسلة الموتى ومن ثم تسليمها للرجال ليصلوا عليها ومن ثم يقبروها .
فتحت لها الثلاجة ونظرت إلى أمها ما أروعها فلا زالت جميلة ووجهها يشع نوراً وتلك الابتسامة لا زالت تطرز شفتيها ، بكت كثيراً إلى أن دخلت خالتها واحتضنتها وحاولت تهدئتها ومن ثم نقلت أمها للمغسلة .
ومرت الأيام الثلاث للعزاء سريعة وظهرت مريم في اليوم الثالث بوجه يشع أملا وفرحاً وكانت مبتسمة طوال الوقت فلقد زرعت فيها أمها العزم والقوة الصبر على ما قدره الله وحمده على كل أمور الحياة مرها وحلوها ، وأكثر ما كان يطمئنها وبدأت تذكره أن أمها كانت من المتعبدات لرب السموات الصابرات المتقيات العفيفات ، أمها والتي كانت كل ما تراها وهي قائمة تصلي أو تقرأ القرآن أو تستمع لمحاضرة دينية ، كانت تقية وتشع نوراً ، لا تذكر أحداً بسوء ولا تكره أحد ، ولقد أخذت كل ذلك منها كل ذلك ولقد علق كثير أنها لم ترث من أباها أي شيء بسبب طغيان طباع وصفات أمها عليها .
وبعد موت أمها بأسبوع استيقظت مريم من نومها عند أذان الفجر وقامت لتصلي ما فرضه الرب عز وجل عليها ومن ثم انطلقت بمركبتها الفاخرة من نوع (البورش كايين) باتجاه البحر ، إنه أول يوم إجازة سنوية لها في مسيرتها العملية ، فلقد طلبتها بعد انتهاء إجازتها الاضطرارية التي أعطيت لها بسبب وفاة والدتها .
وصلت لشاطئ البحر الأخضر وترجلت من مركبتها حافية القدمين تنظر لشروق شمس الخريف الباردة .
شعرت بالبرد فضمت يدها واحتضنت نفسها ، وسارت طويلاً على الشاطئ ولم تدري بنفسها أين هي ؟
رحلت في أحلامها في ذكرياتها في كل شي تتذكره ، تذكرت سيف للحظة ولكنها أبعدته سريعاً ، فكرت بأمها فبكت قليلاً ، وتذكرت أباها فثارت من داخلها غضباً عليه فهو لم يتصل بها أبدا ليعزيها في وفاة أمها أو على الأقل ليسأل عنها فلقد انقطع عنها من ذو سنوات طويلة .
ماذا بقي لها ؟ لا شي غير أرصدة أموال بالية ومباني جامدة وروح تتساقط ورقاتها مع إطلالة كل يوم وجسد نحيل مرهق وحياة بدأت إسدال ستائرها أمامها لتقول لها فيما بعد هذا مسرح الحياة ولقد أديتِ دوركِ كيف تريدين وحانت النهاية والذي سيحكم في أدائك وينتقدك الجيل الذي يأتي من بعدكِ .
وهل الحياة إلا بيت سعيد دافئ وعائلة مترابطة متحابة ؟ تساءلت أثناء سيرها ، لكنها لم تجب على نفسها ، وأكملت المسير إلى أن أنهكها المسير ونظرت ناحية مركبتها إلا وهي بعيدة جداً ولا ترى إلا قبتها فقررت الجلوس لتتدفأ بأشعة الشمس والتي بدأت بإرسال أشعتها الدافئة نسبياً ، وجلست تضم كلتا ركبتيها ودست نصف وجهها في أحضانها .
همسة :
رائع أن تكون شمعة تضيء وطنك ولكن الأروع أن تحترق لنفسك في البدء ومن ثم تأتي الأولويات تباعاً ورائع أن تجتهد لرقي وطنك لكن الأروع أن تهدي وطنك عائلة مترابطة مثقفة متعلمة .
(5)
سارت مريم بمركبتها في شوارع المدينة التي تعرفها من ذو أبصرت عينيها النور .
تنظر لتلك الشوارع الهادئة والتي بدأت الحياة تدب فيها من جديد معلنة يوم جديد والمباني التي للتو بدأت بالاستيقاظ ، وبقربها مرت مركبة نقل للركاب بعد أن أطلقت صوت مزمورها مشتتة ذلك الهدوء فانتهبت مريم أنها كانت وقتها تسير في وسط الشارع بسرعة منخفضة جداً .
لا يوجد شيء تعمله فهي في أجازة ولا شيء وراءها لا اجتماعات ولا مقابلات ولا مؤتمرات .
سارت قليلاً بمركبتها على كورنيش ابوظبي الفخم الراقي . وقتها شعرت بالجوع وما أروعه من إحساس لم تذقه من ذو مدة طويلة ، نعم إحساس الجوع الذي يذكرنا بالفقراء والمساكين الذين يتلون من الجوع ولا يجدون غير كسرات قليلة يسدون بها جوع أطفالهم الذين يتباكون ويضعون تلك الكسرات الحقيرة وهم يكتفون بإشباع أنفسهم بالنظر لأطفالهم وهو سعداء بذلك الطعام القليل ، هم حولنا وقريب منا في نيجيريا في الصومال وربما في بلادنا أيضاً .
كانت مريم تنهض كل صباح لتجد السفرة قد أعدت بطعام الإفطار فتتناوله وتنطلق لعملها لكن اليوم خرجت قبل أن تعد تلك السفرة ، وفكرت كم من ذلك الطعام يرمى أليس الأولى أن يذهب لمن هو محتاج له ؟ .
أزاحت قليلاً تلك الأفكار عن مخيلتها من أن قرصها الجوع من جديد .
وفكرت بقطع مشكلة من المعجنات مع كوب من عصير البرتقال الطازج ، فتوجهت لإحدى المطاعم المشهورة في مركز المارينا مول المطل على البحر .
ولحسن حظها والذي توقعته هو أنه حسن حظ أنها تجد طاولة مطلة على البحر مع أنه جميع الطاولات كانت خاوية من الزبائن .
جلست تتناول إفطارها وعلى أمواج البحر الهادئة رحلت من جديد لعالم الأحلام .
كنت طفلة رائعة أحلم كما تحلم كل طفلة أو إن صح حلم كل أنثى بأن أكون أم .
ما أروعها من كلمة رددتها في قلبها .. أم .. أمي .. أم .. كلمة لا تسأم الروح من تكررها ويطرب القلب لمرورها بين حناياه .
غلبتها العبرة وأرادت البكاء لكنها أشاحت ببصرها بسرعة البرق ونظرت أمامها وانشغلت بشرب عصير البرتقال ، ولكن إعصار الأفكار لا زال هائجاً ، حاولت التناسي وتذكر انجازاتها وعملها و و .. لكن لا أمل وما هي إلا لحظة ووجهت وجهها تنظر لكوب العصير .. سرحت قليلاً فسقطت دمعة في كوب العصير .
إني قوية قالتها في نفسها بعد أن غضبت من حالة الضعف التي اعترتها فأرجعت كرسيها بقوة ونظرت ناحية الجارسون ونادت عليه لدفع الحساب . لحظة ضعف رائعة شعرت وقتها بأني أملك تلك الدنيا بكل ما فيها ما أروع هذه اللحظة .. أحيان يعلمنا الضعف قيمة الحياة .. الكره يعلمنا طعم الحب .. التناقض دوماً يعلمنا الضد أحياناً .. فكرت وهي تنتظر قدوم الجارسون .
لم يعجبك ما قدمناه . قالها الجارسون .
لم بل كان لذيذاً .
لكنكِ لم تأكلي شيئاً .
فانتبهت فوجدت أنها لم تلتهم غير قطعة واحدة فقط ورشفات بسيطة من العصير لم تغير من مستواه في الكوب .
ابتسمت له خجلاً ولم تزيد كلمة غير أنها دفعت الحساب وانطلقت .
سارت تتجول في مركز التسوق الراقي تنظر لتلك المحلات التي نصفها مغلق والنصف الآخر بدأ للتو بفتح أبوابه ، أستطيع شراء كل ما في المحلات لكني لا أستطيع شراء دواء للوحدة التي أمر بها والفراغ الذي أعيشه .
همسة :
نفقد السيطرة على حواسنا عندما نكون في زحام البشر وننشد الراحة والهروب لعالم لا يبقى فيه سوانا ولكننا ما أن نجد ذلك العالم إلا ونرحل بقلوبنا بالشوق والحنين لذلك الزحام وللبشر فنعود أدراجنا معتذرين بأعيننا للكل .. عذراً لا أستطيع العيش دونكم ومن ثم تقل لتكون على صعيد الفرد ونكرر عذراً لا أستطيع العيش دونك أو دونكِ ... .
المال لا يشتري الحب ولا الصداقة ولا العائلة ، والسلطة لا تشتري كل ذلك ، فتلك الأمور ليست للشراء إنما هي هبات لا يمتلكها إلا من يعرف قدرها ولا يضيعها في معمعة الحياة المتخبطة .
(6)
اتجهت مريم بمركبتها باتجاه بيت خالتها أم سيف فلقد ملت وتريد الحديث مع أحد في أي حديث .
وصلت لمنزل خالتها وترجلت من مركبتها واتجهت ناحية الباب ولم تدقه فهي من أهل المنزل .
دخلت للصالة وقابلت رجل غريب يافع ومفتول العضلات وصاحب طله بهية وذو لحية طويلة ليست معتادة أن تراها في عائلتها .
الس الس السلام عليكم .. قالتها خائفة أين أنا ومن هذا الشيخ .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. رد سلامها الرجل وأكمل كيف حالكِ يا مريم .
لم تجبه وانطلقت بعد أن تجاوزته من هذا الغريب الذي يعرف اسمها .
وفجأة سمعت صوت عن يمينها أنا هنا يا مريم .
نظرت إليها مريم وانطلقت لها واحتضنها أهلاً يا مريم لقد أنار البيت بتواجدكِ .
شكراً يا خالتي من ذلك الرجل لقد أخافني . قالتها مرتعبة .
ابتسمت خالتها بمكر ألم تعرفيه ؟
لا .. اجابة مختصرة
انه سيف .
لكن سيف مقعد ولا يملك تلك اللحية الطويلة .
وهل يبقى المرء على ما هو عليه حاله سيف ظل يتعالج وبإصراره وعزيمته وتفاؤله بالخير شفي وأصبح يدير جمعية خيرية هو من أسسها يساعد بها المحتاجين ويدعم التعليم في البلاد الإسلامية المحتاجة وله أمور ترفع الرأس وتبيض صحائف الحسنات .
ابتسمت مريم وهي تستمع .. اجلسي اجلسي يا مريم .
نعم يا خالتي وجلست مريم .
وعادت تلك الابتسامة الماكرة من جديد على وجه خالتها : وهو لم يتزوج إلى الآن .
نظرت إليها مريم نظرة سريعة و أخفضت رأسها ونظرت لقدميها ما هذا الشعور الغريب لم تستطع أن ترد أو تبوح ولقد نملت عضلاتها ولم تستطع على الحراك .
هل أنتي موافقة يا مريم ؟
ظلت صامتة
يقال صمت العذراء موافقتها . و بصوت عالي والفرح يغرد في صوتها أكملت : سوف أذهب له الآن فهو يجلس في مجلس الرجال وانطلقت إلى المجلس واختفت عن الأنظار .
استيقظت مريم من تلك الحالة النفسية الغريبة وصرخت انتظري يا خالتي .. لكن لا يوجد أحد غيرها .
وبعد مدة ليست بالطويلة عادت خالتها تحمل وجهاً غير الذي ذهبت به وجهاً خائفاً حزيناً خجلاً .
نظرت إليها مريم : أني أعلم يا خالتي أنه لن يوافق فلقد جرحته سابقاً ورفضته كثيراً .
ابتسمت خالتها بصعوبة : قلت له أن يفكر .
قاطعتها مريم : ولكنه لن يفكر أنسي الأمر أرجوكِ .
ابتسمت خالتها وغيرت الحديث لتسألها عن نفسها وحالها ...
عادت مريم للمنزل بعد أن تناولت طعام الغداء عند خالتها ودخلت للمنزل مرهقة نفسياً فاليوم كان متعب .
لقد رفضت وهي التي لم يرفض لها طلباً وكانت تجد القبول بين الجميع اليوم رفضت .
دخلت لغرفتها وأجهشت بالبكاء لا تعرف فيما ماذا تبكي المهم أنها تريد أن تنفس عن نفسها .
انها تحبه لكن غرورها وتلك المشاغل التي شغلتها عن التفكير في ذلك الحب وتنميته ورعايته إلى أن ضعف وذبل وربما مات من قلب سيف كما تظنه ولكنه لازال في قلبها أو لا يزال هناك نور خافت من ذلك الحب .
دقت خدمتها باب غرفتها.
فتحت لها الباب سيدتي هذه لكِ .
باقة بيضاء من ورد الياسمين وفيها رسالة ، أخذت الباقة وشكرت الخادمة وأغلقت الباب ووضعت الباقة على سريرها وأخذت الرسالة التي وضعت بشكل أنيق .
وفتحتها ( لا زلت أحبكِ ولن أحب غيركِ ولن يستطع أن يدخل قلبي حب امرأة غيركِ فهل تقبلين بي زوجاً ؟ ) ووقعت باسم سيف .
حضنت الرسالة وبكت وبكت فرحاً بكت شوقاً بكت حيرة ! .
همسة :
الحياة جميلة رائعة إن نظرنا لها أنها كذلك وهي عكس ذلك إن أردناها كذلك ، ونحن من نصنع الأشياء ونحن المتحكمين في هذه الحياة .
والحب هو الحياة وهو روحها وجسدها فالحب في كل مكان ولكننا عندما ننظر أنه لا حب صادق فحينها سوف نجذب إلينا كل حب خائن وكل شخص خائن .
والحياة هي نفسها ولا تتغير إنما الذي يتغير الذي فيها لهذا لنطمح دوماً للخير فسوف نجد أن كل ما في تلك الحياة صار رائعاً وجميلاً .
وتلك الفرص التي تحوم فوقنا فلنغتنمها ونكسبها قبل أن تحلق بعيداً عنها وقتها لن نراها إلا كالنجوم ننظرها ولكن لا نستطيع اللحاق بها أو مرافقتها .
(7)
هل كل النهايات سعيدة ؟
طبعاً لا ...
رفضت مريم الاقتران بسيف لأنه رفضها في بداية اليوم ولقد تعودت أن لا يرفض لها طلباً ، وأرسلت له رسالة أنها لا تفكر بالزواج .
تقبلها سيف بكل حزن ولكن عمله الجديد في الأعمال الخيرية سوف يشغله عن التفكير بها للأبد هذا إن أوهم نفسه بأنه سوف ينساها للأبد .
عادت مريم بعد ثالث يوم أجازة لها لعملها ملغية إجازاتها وفي مساء ذلك اليوم سافرت لأحدى الدول الآسيوية لتوثيق العلاقات بها بعد أن وضعت علاقاتها الشخصية والمصيرية والحياتية في صندوق وضعته أسفل سريرها في دفتر جميل نسميه مذكرات .
همسة :
ندلل أطفالنا لدرجة أن الغرور يحكم عليهم بالإعدام في حياتهم المستقبلية ، لهذا إن لم يجدوا ما يطمحون له فإنهم ينكسرون وينطوون على أنفسهم ويشعرون بالألم ومن ثم يعودون أقوى ليدمروا كل شي لأن كلمة لا في حياتهم مرفوضة ويتم الصدام بينهم وبين الآخرين وإما أن يغلبون أو ينتصرون وإما انكسار بعده هيجان في حالة القوة ، ويضلون حياتهم هكذا ويربون أطفالهم على تلك الصفات وتتابع الأجيال ، وتضل الأساليب الأنانية التي ينتهجوها هي الحاكم على محيطهم ومحيط من تولوا مسؤوليته .
هل كل النهايات يجب أن تكون سعيدة ؟ .. نعم لأن بإسدال ستار المسرح معلناً النهاية مهما كانت ، كلنا نبتسم لمن يرافقنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق